السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
البكاءون
في بيت أحدهم اجتمع الرجال السبعة ، وأخذوا يتباحثون فيما بينهم هذا الموقف ، الذي شغلهم جميعا كما شغل الناس جميعا ، وتوحد موقفهم حياله بينما اختلفت مواقف الناس جميعا ، وقال أحدهم : لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغزو الروم .
ماذا تقول يا رجل . . ؟ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصرح بجبهة الغزو عادة .
فقال الذي أخبر : أنه قد بين الجهة هذه المرة للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يقصده وحتى يتأهب الناس لذلك .
فقال ثالث : " يا لها من فطنة هذه التي يتحلى بها النبي صلى الله عليه وسلم عندما صرح بذلك حتى يكون الناس على بينة فيقررون الذهاب للجهاد معه أو عدم الذهاب وهم كذلك على بينة خاصة ونحن في زمان من عسرة الناس وشدة من الحر ، وجدب من البلاد وقد طابت الثمار أو أوشكت والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم.
وأخذوا يتبادلون أحاديث غزو النبي صلى الله عليه وسلم للروم بتبوك ويذكرون بعد المسافة وقلة الزاد وموقف المنافقين المثبط للهمم والمشكك في النصر ، ويذكرون كذلك تدافع الناس على النبي صلى الله عليه وسلم للاشتراك في السير معه كما يشيدون بمواقف أهل الغنى الذين أخذوا في تجهيز المجاهدين .
حتى قال أحد السبعة : لكن يا أصحابي !! ماذا سنفعل ؟
لقد قال الله تعالى : { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } التوبة /41 ، وأن الذهاب مع النبي صلى الله عليه وسلم لغزو الروم يحتاج منا إلى مال كثير لا نملك منه شيئا ، كما يحتاج إلى ظهور تحملنا ، وليس عندنا ما يحملنا مع المجاهدين .
google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);
وقال آخر : ولابد لنا إن شاء الله من الذهاب مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة البعيدة تنفيذا لأمر الله تعالى ، ولا ينبغي أن يفوتنا الاشتراك فيها ، فإن إحساسا يخامرني بأنني سوف أنال الشهادة في هذه الغزوة بإذن الله تعالى .
وقال ثالث : عندي اقتراح . . !!
فقال الجميع : ما هو . . ؟
قال : فلنجمع ما نملكه نحن السبعة ونقتسمه بيننا حتى نتمكن به من شرف الذهاب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزو .
فأطرق الجميع رؤوسهم ووافقوا على هذا الاقتراح بصوت خفيض لا يكاد يبين.
وبدءوا في إحصاء ما يملكون رغبة في تجهيز أنفسهم جميعا بما لديهم كذلك.
فأطرق الأول مفكرا وقال بصوت خفيض : لا شئ عندي .
وأطرق الثاني مفكرا وقال كذلك بصوت خفيض : لا شئ عندي .
وأطرق الثالث وقال نفس المقالة .
وقال الرابع كذلك .
والخامس كذلك .
وقال السادس وأنا كذلك : ما عندي شئ .
وقال صاحب الاقتراح : والأسف يغطي ملامح وجهه وأنا كذلك .
إذا . . !!
ماذا نفعل . . ؟؟ لابد من الاستجابة لأمر الله تعالى
لابد من الذهاب ، لابد من مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الغزو.
لابد من الذهاب ، لابد . . .
ولفتهم الحيرة بصمت ثقيل طويل.
وقال أحدهم : عندي اقتراح آخر !!
فقال الجميع بلهفة : ما هو ؟؟
قال : فلنذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطلب منه أن يحملنا معه وسوف يكفينا مؤونة الزاد والراحلة ، وهو يعلم أننا جميعا أهل حاجة .
فقال الجميع : نعم ما رأيت ، وبهذا لا يفوتنا شرف الاشتراك وفرصة الاستشهاد في هذه الغزوة .
واستقر رأيهم على هذا الحل الذي لم يجدوا الامتثال لقوله تعالى : { انفروا خفافا وثقالا }
وقام الجميع من المجلس .
وتوجه الرجال السبعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
سالم بن عمير ، وعلبة بن زيد ،وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ، وعمرو بن حمام بن الجموح ، وعبد الله بن المغفل المزني ، وهرمي بن عبد الله ، وعرباض بن سارية الفزاري .
ودخلوا عليه صلى الله عليه وسلم .
وقالوا : يا رسول الله . . !!
إن الله قد ندبنا للخروج معك والجهاد لرفع راية الإسلام ونحن نحب أن لا يفوتنا السير في صفوف الذاهبين معك لقتال الروم في تبوك بيد أننا ـ كما تعرف ـ أهل حاجة وفقر ولا نملك جميعا من الزاد والراحلة ما يجعلنا مع المجاهدين .
وسكت النبي صلى الله عليه وسلم فترة ، راجع فيها رجاله وعدته وعتاده وما تجهز لديه ، ووجد عليه الصلاة والسلام أنه لم يتبق لديه ما يحملهم معه عليه .
وسكت جميع الحاضرين مجلس النبي صلى الله عليه وسلم .
وسكت الرجال السبعة : يداعبهم الأمل في حمل النبي صلى الله عليه وسلم لهم معه ويراودهم حب الاستشهاد في سبيل الله تعالى وترفرف أمام أعين خيالاتهم رايات نصر النبي صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الروم الذاهب إليهم .
وخيم الصمت على المجلس.
ثم . . ثم نطق النبي صلى الله عليه وسلم قائلا لهم : { لا أجد ما أحملكم عليه} .
ووقعت الطامة على رؤوس الرجال السبعة ، وعلت الدهشة وجوههم وملامحهم تنطق بأنهم ما سمعوا أو أنهم سمعوا لكنهم ما فهموا ، أو أنهم سمعوا وفهموا لكنهم ما كانوا يودون ذلك ، ولم يصرفهم ما سمعوه منه صلى الله عليه وسلم عن رغبتهم الصادقة وحبهم الشديد للذهاب إلى قتال الروم .
فقال أحدهم : بصوت ينم عن التواضع في الطلب ، يا رسول الله احملنا معك على أقل ما يحمل عليه المجاهد ، احملنا على ما يمكن الاستغناء عنه بحيث لا تتركنا نتخلف عن هذه الغزوة البعيدة .
وقال آخر وصوته يقطر رجاء وتوسلا ، يا رسول الله : احملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة لنغزو معك .
فقال صلى الله عليه وسلم وقد درس هذا الأمر قبلا وأصدر فيه رأيا بصوت تواسيهم بنبراته : { لا أجد ما أحملكم عليه } .
وصمت الرجال السبعة وقتل الأمل الذي يداعبهم ، وسدت المنافذ أمامهم وقطع منهم خيط الرجاء .
إذا .
فلن يمكنهم الذهاب مع النبي صلى الله عليه وسلم ولن ينالهم شرف الجهاد معه في هذه الغزوة البعيدة . . وسيكتب عليهم التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وانصرف الرجال السبعة من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم { وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون } وأن ينالهم عقابه على تخلفهم هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم ليسوا من الضعفاء ولا من المرضى حتى يكون لهم العذر ي هذا التخلف الذي صار شيئا مخيفا وباب عصيان فتح عليهم ، وأسود الأبيض أمام أعينهم ، وخيم خوف العصيان عليهم ، وجثم كابوس التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدورهم .
وانهمر الجميع في البكاء نعم في البكاء الشديد واستولى عليهم بصورة عجيبة يقطر منها الإيمان ويفوح منها الخوف من الله ويشع منها حب الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وصار الرجال السبعة يبكون ويتوجهون إلى الله تعالى .
• في الطرقات يبكون .
• في البيوت يبكون .
• في المسجد يبكون .
• في جماعتهم يبكون .
• على انفرادهم يبكون .
خوفا من عصيان الله وحرصا على الجهاد مع رسول الله وأملا في فرج يدركهم بما يأملون ويرغبون فيه .
وشاع خبرهم وذاع بالمدينة أمرهم .
وتندر بهم المنافقون .
وحزن من أجلهم المسلمون لكن ماذا يفعلون ؟ فالأغنياء قد تبرعوا بالكثير من أموالهم وقد جهز منها النبي صلى الله عليه وسلم قبلهم من جهز من المجاهدين ، والآخرون قد جهزوا أنفسهم بأموالهم الخاصة ، وأشفق النبي صلى الله عليه وسلم كذلك عليهم .
لكن ماذا يفعل . . .؟
رغبتهم صادقة ، وحرصهم شديد ، لكنه لا يجد ما يحملهم عليه .
إذا فأمرهم لله تعالى .
لعل الله يسمع بكاءهم ويتقبل عنهم عذرهم ويستجيب لدعائهم .
وكان الله تعالى سميعا مجيبا .
فقد نزل القرآن.
نعم بخصوصهم نزل القرآن .
ليرفع عنهم الإثم ويعفيهم من الحرج والمؤاخذة ويتقبل منهم عذرهم .
حيث قال تعالى : { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون } التوبة/92
أي ليس عليهم إثم أو حرج في هذا التخلف عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم .
وفرح النبي صلى الله عليه وسلم برفع الحرج عن هؤلاء الصادقين .
وفرح الرجال السبعة إذ أعفاهم الله تعالى كما نزل في شأنهم قرآن يتلى ويتعبد به ، وفرح المسلمون كذلك .
يا ليت للمسجد الأقصى وللقدس الشريف اليوم من أمثالهم .