فعن نشأة جماعة الإخوان المسلمين، قال الأستاذ محمد مهدي عاكف: "لقد نشأت جماعة الإخوان المسلمين في ظروفٍ كانت فيه بلدان العالم العربي والإسلامي وفي مقدمتها مصر بلدانًا محتلة، وأُلغيت الخلافة الإسلامية، فبدأ كثيرٌ من المفكرين العملَ على حماية الأمة من العلمانية التي استشرت بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924م، وفكَّر هؤلاء المفكرون كيف يعيدون للإسلام مكانته الحقيقية في نفوس الناس، خاصةً وأن كثيرًا من مفكري هذا الزمان قد جنحوا نحو العلمانية، فقام الإمام الشهيد حسن البنا عام 1928م واتفق مع بعض الغيورين على الإسلام وأنشأوا جمعية الشبان المسلمين لتحمل عبء العمل للإسلام، إلا أنَّ الإمام الشهيد وجد أن تفكيرهم لا يحقق الغاية بتجديد الإسلام ونشر قيمه وأفكاره.
وكان رحمة الله عليه في ذلك الوقت يعمل مدرسًا بمدينة الإسماعيلية التي يتمركز فيها الاحتلال والقوات الأجنبية التي تُدير قناة السويس، ثم انتقل الإمام الشهيد بعد ذلك إلى القاهرة والتفَّ حوله الكثيرون؛ لأنه جاء بفكر الإسلام الواضح، فكما يسمونه كان مجدد الإسلام في هذا القرن، ووضع منهجًا يشمل الحياة كلها بدءًا من العقيدة والعبادة السليمة إلى إبداء الرأي في كل القضايا.
كان منهج حسن البنا يشمل كلَّ القضايا الحياتية فالتفَّ حوله الكثيرون وانتموا إلى دعوة الإخوان التي انتشرت في كل بِقاع مصر حتى أصبح للإخوان أكثر من 300 شعبة في القُطر المصري، وعقد أول مؤتمر عام 1938م وكان مؤتمرًا شاملاً جامعًا عرَّف فيه أهداف الإخوان وغايتهم وتنظيمهم.
وبدأت دعوة الإخوان تنتشر في المدارس والجامعات ومواجهة محاولات الاستعمار، التي كانت تهدف إلى جعل الشعب المصري قوة غير فعالة.
ولما انتشر فكر الإخوان بدأ كثيرٌ من المفكرين تغيير منهجهم، وكان منهم محمد حسنين هيكل الذي ألَّف كتاب (حياة محمد)، والعقاد الذي ألَّف العديدَ من الكتب الإسلامية التي تتحدث عن الإسلام وعظمته، وكذلك الحال بالنسبة لطه حسين الذي كتب (مرآة الإسلام)، وهكذا بدأت العلمانية تذوب.
 |
الإمام الشهيد حسن البنا |
وانتشر الإخوان بعد ذلك في كل مكان، وساهموا في تربية الأمة على منهج الإخوان بأرقى وسائل التربية، وأشاع الإمام البنا الحبَ والأخوة بين الناس، وتحول الشباب إلى خلية نحل تعمل في كل المجالات، فتفوق الإخوان في الرياضة والفن والاقتصاد، وساهم الإخوان في تخفيف آلام الفقر والمرض الذي كان يعانى منه الشعب المصري كله.
ثم جاء عام 1948م واحتفل الإخوان بمرور 20 عامًا على نشأة الإخوان، وكتب كثيرٌ من أصحاب الأقلام عن هذا الاحتفال، فكتب إحسان عبدالقدوس عن الإخوان "أنهم رهبان بالليل فرسان بالنهار"، وكتب الغربيون أنهم لم يروا مثل هذا التجمع من قبل، فهاب الغربُ القوة الصاعدة في مصر، خاصةً بعد أن ساهم الإخوان في محو الأمية العسكرية في حرب فلسطين 1948م، حيث تكالبت قوى العالم لإخراج اليهود من بلادهم للتخلص من شرورهم وزرعهم في أرض فلسطين؛ حتى يحولوا دون تقدم هذه المنطقة.
وأصدر مجلسُ الأمن قراره بتقسيم فلسطين، واعتبر الإخوان هذا القرارَ باطلاً، وأكد الإخوان وقتها "نحن نعتقد أن أوربا وأمريكا أرادت أن تتخلص من شرور اليهود فبعثوهم إلى هذه المنطقة المباركة؛ حتى يشغلوا أهلها عن الحضارة الإسلامية النامية التي بدأت تدبُّ على الساحة، حيث الإخوان في مصر، والسنوسية في ليبيا، والمهدية في السودان، فضلاً عن الحركات الأخرى في الجزائر وباكستان والهند.
ولذلك أستطيع أن أقول إن أعداء هذا الدين- منذ الحروب الصليبية وحتى ظهور المستشرقين- كانوا يسعون للقضاء على الصحوة الإسلامية المباركة.
وبذل الإخوان جهدًا كبيرًا في مناهضة العصابات الصهيونية في حرب فلسطين، ولولا المؤامرة الأجنبية والعربية التي تعرض لها المجاهدون لكان لمصير القضية الفلسطينية شأنٌ آخر، خاصةً بعد أن دخلوا بجيوشٍ لا قيمةَ لها، ثم عقدوا هدنةً قصمت ظهر المجاهدين، ثم تآمرت إنجلترا وفرنسا على الإخوان واجتمعوا في "فايد"، وطلبوا من "النقراشي" حلَّ جماعة الإخوان المسلمين.
قصة الإعدام
واستطرد فضيلةُ المرشد يتحدث عن علاقته بعبد الناصر وقصة إعدامه، وقال: كان لي علاقة كبيرة بعبد الناصر، وكثيرًا ما تناولنا الطعام سويًا، فقد كنت قائد معسكرات جامعة إبراهيم عام 1951م التي كانت البداية لمحاربة الإنجليز في القناة، وكان عبدالناصر ومن معه يتعاونون معنا بعد حرب القناة حتى قامت حركة الجيش وكان بيننا وبين عبدالناصر اتفاقات.
ولكن للأسف بعد أن استقر عبدالناصر في الحكم تجاهل كلَّ هذه الاتفاقات، والتي كان على رأسها تطبيق شرع الله في مصر، رغم قسمه على المصحف، كما لم يلتزم بتنفيذ المبادئ الستة التي أعلنتها الثورة، فأرسل له الأستاذ حسن الهضيبي خطابًا يذكِّره بواجبه نحو الأمة، فقال عبدالناصر: الهضيبي يريد أن يحركني كيف يشاء!.
ويضيف الأستاذ عاكف: ذات يوم طلبني عبدالناصر حتى أكون عضوًا مؤسسًا في هيئة التحرير، وكنت وقتها رئيس قسم الطلاب في الإخوان المسلمين، فاعتذرت عن المشاركة وقلت لعبدالناصر وعبدالحكيم: اجعلوا هيئة التحرير تأخذ بيد من هم خارج الإخوان، لكن عبدالناصر لم ينسَ لي هذه الواقعة.
وذات يوم دعونا نواب صفوي- رئيس فدائي الإسلام في إيران- للمركز العام، وألقى محاضرةً، وعاد إلى بلده، ثم فوجئت في يناير 1945 بأحد أصدقائي- وكان مديرًا لمكتب محمد نجيب- يخبرني بأن جماعة الإخوان قد حُلَّت اليوم، ومطلوب القبض على 12 فردًا قبل الثلاثة فجرًا، وأنا واحد منهم، واقتحموا منزلي إلا أنني هربت حتى نهاية فبراير.
ثم جاء الملك سعود لعقد صلح بين الإخوان وعبدالناصر، فقال له عبدالناصر: "عاكف يسلِّم نفسه أولاً"، وسلمتُ نفسي وحدث الصلح، وخرجت من السجن، ثم فوجئت بعد ذلك بمحاكمة عسكرية لعبدالمنعم عبد الرؤوف، وهرب من السجن، وآويته عندي حتى شهر أغسطس، فقبضوا عليّ ووضعوني في السجن الحربى أنا ورشاد مهنى ويوسف صديق، وظللت في هذا السجن حتى 26 أكتوبر.
ثم تمت محاكمتي بتهمة إدارة جهاز سري لقتل عبد الناصر وقلْب نظام الحكم، وتهريب اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف رغم أنني كنت في السجن!!، وصدر حكم الإعدام ضدي، وأُعدم ستة من الإخوان قبليى، وتسبب إعدام الستة في احتجاجٍ عالمي وصل مصر من قِبل رؤساء ووزراء العالم العربي والإسلامي، فخُفف حكم الإعدام إلى السجن الذي ظللت فيه حتى عام 1974م.
قَسَم الإخوان
وعن القسم داخل الإخوان المسلمين قال فضيلة المرشد العام: لكل مؤسسةٍ قَسَمٌ مكتوب، وللإخوان إحدى هذه المؤسسات ولكي أصبح عضوًا في الإخوان لا بد أن أُقسم على احترام هذا القسم واحترام منهج الإخوان، ونفى فضيلته أن يحضّ قسم الإخوان على العنف، وقال: نحن نطالب بتطبيق الدستور المصري الذي ينصُّ على أن الإسلام هو المصدر الرئيس للتشريع، مؤكدًا أن الإسلام على مدى تاريخه لم يبلغ رسالته بالقوة؛ لأنه يحترم إرادة الإنسان واعتقاده، ولذلك كان الإخوان لا يجبرون أحدًا على شيء، وكل دورنا هو عرض بضاعتنا عليهم لأننا نعتقد أن فيها مصلحة لهم، وأتحدى أي حضارة في العالم تتسم بهذا الرقي الذي يتمتع به الدين الإسلامي، فانظروا إلى الحضارة الأمريكية وما تروِّج له من قوة غاشمة تجلَّت في العراق وأفغانستان وفلسطين.
الحداثة والإسلام
وعن الحداثة في الإسلام قال فضيلة المرشد: يبعث اللهُ سبحانه وتعالى كلَّ مائة عام من يجدد أمر الدين، ولذلك أعجب لهؤلاء الجهلة الذين يحاولون تجفيف منابع الدين الإسلامي؛ لأن منابع هذا الدين هي القرآن والسنة اللذان حفظهما الله سبحانه وتعالى، ولذلك أقول إن الأمة استيقظت، وسوف يكون لها شأن كبير في هذا العالم رغم أنف قوى الشر.
وحمل فضيلته على المؤسسات الدولية وقال: "أتهم كلَّ مؤسسات العالم لأنها لا تقول الحق، فمجلس الأمن لا يستطيع أن يحول بين أمريكا وبين الحرب الخطيرة التي اندلعت في العراق، وتساءل ماذا فعلت الأمم المتحدة تجاه قتل الأطفال والنساء في فلسطين؟ وقال: سوف نحصر كل هذه الجرائم حتى يصبح ديْنًا على هؤلاء المجرمين الذين دمروا الإنسان في فلسطين والعراق وأفغانستان.
الإثنين مايو 17, 2010 9:13 am
